الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة بقلم الدكتور أحمد المناعي: الزعيم الحبيب بورقيبة …كما عرفته

نشر في  29 سبتمبر 2022  (17:01)

بقلم الدكتور أحمد المناعي: رئيس المعهد التونسي للعلاقات الدولية وعضو البعثة العربية السابق إلى سورية

الجزء الأول:

 المرة الأولى التي سمعت فيها باسم الزعيم الحبيب بورقيبة كانت يوم 22 جانفي 1952 بمناسبة جنازة الشهداء الشبان الورادنية الأربعة الذين استشهدوا في مظاهرة سوسة في ذلك اليوم. واستشهد يومها في نفس المظاهرة اثنى عشر شاب أخر من مختلف الجهات الأخرى.

شخصيا دأبت على كتابة أسماء الزعماء الوطنيين وعلى رأسهم بورقيبة على خدود الباب وعلى كل المساحات الملساء في الجدران في بيتنا وهوما ما كان يغضب والدتي خاصة وقد كانت الكتابات بالطباشير الملون.

في الأعوام الثلاثة الفاصلة بين الاعتقال والعودة، تخمرت الروح الوطنية في حياتي فغداة اغتيال فرحات حشاد خرجنا في مظاهرة من مدرسة الوردانين بقيادة عمران موسى الذي كان يعتبر وقتها زعيم الشباب في الوردانين. وقدمت بعض الخدمات المحلية كبريدي بين أخي محمود وبعض رفاقه وخاصة مع أحمد قلابة الذي كان يسكن الحومة القبلية ويملك فيها متجرا. كل ذلك سهل علي الحصول على بطاقة اشتراك في الحزب الحر الدستوري التونسي لسنة 1954-1955.

 وعندما شاع قرب رجوع الزعيم سرت حمّى الرغبة في الذهاب. وشملت الرغبة الكبار والصغار وتصورت أني سأراه. لكن أين لنا تحقيق ذلك ووسائل النقل تكاد تكون معدومة بالكامل فلم يكن في الوردانين سوى ثلاث كميونات للأغنام وسيارتي أجرة بلا رخص.

 واستطعت أن أجد بقعة في كميون الى تونس وأن أشارك في تلك الهبة الشعبية التي وصلت الى العاصمة يوم الفاتح من شهر جوان 1955 ولكني لم أر بورقيبة كما شرحت ذلك.  

رب صدفة خير من ألف ميعاد:

نحن الان مستقلون ذاتيا وأنا نجحت في تلك السنة في مناظرة السيزيام. في السنة السابقة نجحت في الشهادة الابتدائية ولأول مرة ينجح من الوردانين سبعة عشر طفل في الشهادة الابتدائية. الحقيقة أن أعمار الناجحين متفاوتة فقد كان منا من بلغ الثمانية عشر سنة.

في أكتوبر 1955 دخلت السنة الأولى ثانوي في المنستير ولا توجد مواصلات بين الوردانين والمنستير فاضطررت لكراء سكنى مع ورادنية زواتنة مصطفى زعبار والناصر الأمين. (الأول توظف في الحرس الوطني والثاني في الأمن).

 قضيت حوالي الشهرين في ثانوية المنستير وما استغربته في قسمنا أن هناك بنتا تأتي للقسم بوزرة مستيرية ذات اللون الأشخم بينما كان لنا زميلات في الوردانين يأتين سافرات. زكية بن سالم وبنت خالتها رابعة البكوش وبشيرة المعتمري كن حقا مناضلات.

 تحولت الى المعهد الثانوي للذكور بسوسة. الوردانين تتبع سوسة إداريا والمواصلات بينهما متوفرة في الأول كانت شركة اصطاس وتحولت الى الحبا رة.

لكن مهما كان اسم الشركة فالحافلات قديمة مهترئة وكثيرا ما تتعطل وتتأخر عن مواعدها وهو ما حدث ذات يوم. يومها كان خالي عبد الله فرحات بائت في الوردانين

فعرض علي أن يوصلني الى سوسة لكن بعد أن يمر بالمنستير حيث عليه أن يقابل الرئيس. فرحبت…

في دار القايد: وجدت نفسي بدون مقدمات ولا شكليات في حضرة الرجل الذي طالما بحت حنجرتي بالصياح بحياته. وجدت نفسي في جمع من الرجال الأجلاء الواقفين حول طاولة يتناولون فطور الصباح…. كنا في دار القايد أحمد الزاوش. رحب بي الزعيم ودعاني للفطور واكتشفت المعجون …..

لم يطل بقاءنا في حضرة الزعيم هي دقائق وحديث قصير بينه وبين مدير ديوانه وخرجنا من الدار ثم سوسة والمعهد.

ما أستغربه لحد الان أني لم أذكر هذا لأصدقائي وزملائي في المعهد على الرغم بأنه عنوان افتخار.

أن يفطر طفل غريب في الثالثة عشر من عمره مع الزعيم في سنة 1955 هذا ما لم يكن يصدق.